لأنّ التفكير البشريّ معقّد جدّا

 

نسعى دائما لتغيـير ما بحيـاتنـا، نطمح و نتطلّع إلى ما هي عليه حيـاة الآخريـن. نتّجه أحيانـا إلى السّير علـى نفـس نمط مسيرتهم اعتقـادا منّـا أنّ الآخـر أسـعد.      

أحيـانـا نتّخذ من ممثّـل قديـر قدوة، ومن رئـيس دولـة عظيـم مثلا، أو نجعل من فنّـانة بارعـة الجمـال أسطـورة نخلّدهـا. في كلّ حـالة ينتـابنـا شعـور بنقص، أو بضعف، لأنّـنا لسنـا محطّ إعجاب الآخرين، نغتـاظ لذلـك،  وتحبط عزائمنـا، إلاّ أنّ هذا الأمر لا يحسّه البعض الآخر. لذا تجد حياتهم عـادية، بسيطة، كلّ ما يسعـون إليه هـو طبق شهيّ يأكلـونه، أو لحظـات سمر مع الأصدقاء. ويزيد من لذّة الحياة لديهم شعـورهم بالهدوء والرّضا. إلاّ أنّ هذا لا يمنع في شيء طمـوحهم وسعيهم لتحسيـن أوضـاعهم الثّقـافية أو المـالية.

ذلك لا يعني أنّهم أقـوى، أو تركيـبتهم البشريّـة أرفع، فهم مثلنـا مرّوا بأوقـات صعبـة، ولحظـات مرار أصعب، ويدركـون تمام الإدراك أنّ لديهـم نقـائص. لكـنّ إحسـاسهم بالنّقص هذا، لا يتغلـّب عليهم بل يزيـدهم إصرارا علـى التمسّـك بالحيـاة بطريـقة بسيـطة.


لكن، ما سبب هذا الاختلاف الّذي يمكنـه أن يحقّـق لهم هذه الدّرجـة من الاطمئنـان الدّاخلـي، و كلّ هذه القنـاعة الذّاتيـة بعذوبـة الحيـاة الّتي يراها الآخرون جحيمـا؟

إنّها طريـقة النّظر إلى التّفـاصيل اليوميـّة التّي يعيشها كلّ منّا، و كذلك التّفـاصيل التّي عاشهـا كلّ منـّا في أوقـات مضت، وسنوات عبرت، إنّه الماضي وذكريـاته.

لماذا لا يشهد ماضينـا؟

لماذا يصمت ؟

لماذا نسمعه نحن فقط، و لا يسمعه أقرب الناس إلينا؟

المـاضي ذكريـات، وأغلبهـا ذكريـات مريـرة، تثقـل عـاتق الكبيـر فمـا بـالك و الصّغيـر. 

الماضي هو الطّفـولة، والطّفـولة هشّـة، لأنّ مصيـرك ليس بيديك، لأنـّك لا تقرّر، لأنّك تضرب، ولأنّك تصمت، تسكت، وأحيانا تبكي، وأحيانا تغضب، تحزن، وقد لا تنام، وبتكرار هذا تـزداد هشـاشة، وتزداد حزنا، وأنت طفل ترى الدّنيا حـالكة، قـاسية، روحك ليست فيـك، ليست ملكك إنّها عـند الآخرين. إنّـهم يخطئـون فهمك، لا يحسّـون برغبـاتك، إنّـهم يتمـادون في سحق وجودك. فتـزداد خوفا واختنـاقا، وتكبر إلى أن تصير مراهقـا، فيشتدّ الخنـاق عليك، لأنّـك تريـد أن تكـون إنسـانا مثل الآخر أو أحسن.  فهذه صعبـة والأخرى أصعب، لأنّ الإنسـان غير الإنسـان، لأنـّك أنت لست كمـا هو، ظروفك غير ظروفه،  موطنك غير موطنه، أبواك غير أبويـه، الأكل الذي يأكله ليـس كأكلك، الفراش الّذي ينـام عليه ليس كفراشك، والهواء الذي يتنفـّسه في بيتـه ليس كالهواء الّـذي تتنفّـسه أنت في بيتـك. هذا هو الفرق بينـه و بينـك.

إنّها أحـاسيـس تتوغّـل في وجدانك لتحـسّ في النّهـاية بالظّلم، لأنّـك تعتقد أنّ غيـرك أسعد منـك. هذه بدايـة مشوار حياة قد تكـون عرجـاء لأنّـك تجهل الحقيـقة، أو الفرق الأسـاسي بينـه وبينـك. إنّـه ليس أسعد منك، فالسّعـادة أحسستهـا مثلـه مثلـك، إنّـه يضحك كمـا تضحك أنت ويبكـي كمـا تبكـي أنت.

فهل سعـادته أكبـر من سعـادتك؟

هل بكاؤك أتعس؟

السّعـادة مركـّب كيماويّ، سعـادة الجميـع تنصهر بالحرارة العالية، وتتجمـّد بانخفـاض درجـة الحرارة، ويتغيّـر تركيبها في الوسط الحمضيّ.

هل تختلـف سعـادة الجائع برغيـف الخبز، عن سعـادة الغنيّ بسيّارة فاخرة؟

لا، إنّكمـا سعيـدان وفقط. قلب كلاكمـا ينبض، وكلاكمـا يعيـش حياة يراهـا أحدكمـا شحيحة جافّـة، ويراهـا الآخر كريـمة نديّـة، لأنّـه قـادر علـى الاستمتـاع بمـا حولـه أكثر منك.

لأنّـه يثمّـن اللّحظـات السّعيـدة، ويدرك أنّ شريـط الحـاضر سيصبح ماض، وأنّ سعـادتنـا الّتي مضت، هي لبنة أساسية لسعادة حاضرنا ومستقبلنـا.

هؤلاء لهـم قدرة الحوار مع الصّعـوبات اليوميّـة، يكيّفـون وجـودهم بمـا يرضيـهم، ويصنعـون لأنفسهـم حيـاة مطمئنّـة مستقرّة.

 لكن، كيف يمكـن لك أن تصل إلى هذه الحـالة من التّوازن الوجدانيّ والفكريّ والجسديّ؟

إنّـه بالتّعـامل مع العناصر الثّلاثـة الأسـاسية، الّتـي تـكوّن النّسيج البشريّ.

جسدك ووجدانـك وفكرك، مواد خـامّ في يديـك،  كالخشـب في يد النّجـار والحديـد في يد الحداّد. فأنـت تستطيـع أن تجعل منهم إنسـانا سعيـدا متّزنـا، أو تعيـسا، بائسـا.

هذا بـالرّغم من أنّنـا نعيـش في عـالم من الضّغـوطـات المختلفة،  التي تتسّبـب في أكثر العلـل و الأمراض، فقد أصبح من الضّروريّ التسلّـح لمجـابهة هذه الصّعـوبـات الّتي تؤثّـر علـى كيـاننـا. بمعنـى أنّـه بإمكـاننـا تغـيير حياتنـا، أو بالأحرى نظرتنـا إلى الحيـاة، وهذا نتعلّمـه تمـاما مثلمـا نتعلّـم سيـاقة السيّـارة.

 فسيـاقة السيّـارة، رغم سهـولتهـا تبقـى دائمـا عمليّـة حضاريّـة، لكنّهـا فـنّ بالدّرجـة الأولـى، هي فنّ تحريـك آلـة لا حيـاة فيها، توجّههـا للطّريـق الّذي تريـد أن تصلـه أنت، ذلك لأنّك تعرف تمـاما ما الّذي يجعلهـا تتحرّك، و ما الذي يمنعهـا عن الحركـة، لأنّـك اكتشفتهـا واكتشفت الأجزاء التي تتركّـب منهـا- فاستطعت قيادتهـا- هكذا يمكنك توجيـه حيـاتك،  شريـطة أن تكـون قد تعرّفت علـى نفسك تعرّفـا صحيحـا يخلـو من الكبريـاء، و الأنـانية، والزّيف، لكنّك لا تصل إلى هذا إلاّ إذا كنت وجّهـت طاقـاتك من أجل هذا التّغييـر الدّاخلـيّ، الّذي يعتبـر عملا وجهدا، هدفه الأساسيّ الرّفاهية و التّغيير الإيجابيّ لوجودك. 

لهذا ظهرت في عصرنـا طرق علميّـة مختلفـة، تسـاعدك في ذلك أهمّهـا الإسترخـاء بتقنيـاته المختلفـة، ومدارسه المتعدّدة والمنتشرة في معظم الدّول المتقدّمة.   

 

 

Google
  Web auriol.free.fr   


PsychosoniqueYogathérapiePsychanalyse & PsychothérapieDynamique des groupesEléments Personnels

© Copyright Bernard AURIOL (email : )

12 Octobre 2006